فضل يوم عرفة

موضوع: فضل يوم عرفة الإثنين نوفمبر 23, 2009 5:58 pm

يوم عرفة
فأنتم في مناسبة عظيمة ألا وهي سعي الناس من كل فج عميق إلى ربهم يرجون تجارة لن تبور بل وفي يوم عظيم كذلك ، قال فيه صلى الله عليه وسلم : (( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ( ما أراد هؤلاء )) أخرجه مسلم والنسائي . ولذلك يذل الشيطان ذلك اليوم ويصغر لما يرى من رحمة الله لعباده ، يقول صلى الله عليه وسلم (( ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب الفطام إلا ما رئي يوم بدر" قيل وما رئي يوم بدر قال : " أما أنه رأى جبريل يزع الملائكة )) أخرجه مالك ويتوجه الناس ذلك اليوم إلى ربهم حاسري الرؤوس ودامعي العيون ضارعين مبتهلين وقد نزعوا الألبسة والخيلاء وحطام الدنيا ووقفوا في زي واحد أمام رب العالمين فليست لاعتبارات الأرض قيمة في هذا الموقف ولا حتى في غيره ولكنها تتجلى اليوم في أوضح الصور (( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم )) ولذلك أمرنا أن نخلع ذلك الحطام وتلك الأبهة والزخارف قبل المثول بين يديه سبحانه وتعالى لنجعل بين يديه القلوب صافية سليمة من الخيلاء والفخر، (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) (الحجرات: 13) يتذكر الإنسان ذلك اليوم ، يوم يحشر الناس حفاة عراة غرلاً ، يوم تزلف الجنة للمتقين ، وتسعر النار للكافرين ، (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)) (الزلزلة:7، . وفي مثل هذا اليوم من السنة العاشرة للهجرة وقف الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في عرفات ، بعد أن قضى سنين طوالاً في الدعوة إلى الله ونشر دينه حتى أخرج الله به الناس من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام ، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وقف صلى الله عليه وسلم وهؤلاء المؤمنون الذين جاهدوا في الله حق جهاده ، فاغرو رقت عيونهم بالدموع وتمثل لهم فراق نبيهم فذابت نفوسهم حزناً وقف صلى الله عليه وسلم وألقى خطبته العظيمة والتي يجدر بنا اليوم وفي هذه المناسبة أن ننظر فيها نظر المنيب التائب بعد أن فرقتنا الأهواء والمطامع ، واستولى حب الدنيا وكراهية الموت وأخلدنا إلى الأرض ونسينا البعث والحساب والجنة والنار. قام صلى الله عليه وسلم في أرض عرفات المباركة أمام جيل الرحمة والمؤمنين حوله ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : (( أيها الناس اسمعوا حتى أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً" ثم ذكر حرمة الأعراض والأموال إلى أن قال : (( ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمن عليها ، ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع , وإن لكن رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، قضى الله ألا ربا ، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب ، وإن دماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث ، ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد)) . وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الطيبة والأسوة الحسنة للمسلمين ضرب بنفسه المثل الأعلى بطاعة أمر الله وتنفيذ شرعه قبل أن يطالب الناس بذلك فليت الذين يقولون ولا يفعلون ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ليتهم يتفطنون ويتذكرون . كما تتجلى هنا كذلك روعة الإسلام وعظمته حيث استطاع كسر شوكة استغلال الإنسان لأخيه وقضى على البقية المتبقية من الثارات الجاهلية لا بالعسف والإرهاب، والتهديد وإنما نغرس التقوى في القلوب ، والأخوة في الله حتى أصبح هم الإنسان أن يواسي أخاه ويعينه لا أن يستغله أو يفترسه . ثم أعلن صلى الله عليه وسلم مقياس التفاضل بين خلق الله تعالى فقال : (( أيها الناس : إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفسه منه ، أيها الناس : إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد، كلكم لأدم وآدم من تراب وإن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلغت ، قالوا نعم قال : الله اشهد )) بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغت وأديت ولكن أين أنت ممن غيروا وبدلوا وصاروا يقيسون الناس بأوطانهم ، أو قومياتهم ، أو قبائلهم ، ونسوا مقياس الله (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) (الحجرات:13) . وتطورت تلك المقاييس حتى صارت أرباباً تثير من الناس يقتلون في سبيلها ويُقتلون ، فمن تقديس الوطنية ، إلى تعظيم القومية ، إلى تبني العصبية القبلية التي مزقتنا اليوم، فهذا وطني، وهذا أجنبي ، وهذا عربي وهذا غير عربي ، وكذلك هذا قبيلي وهذا حضيري . فما أعظم أن نتوب إلى الله أيها الأخوة في هذا اليوم العظيم وننيب إليه ونطهر أنفسنا من شعارات الجاهلية وعصبياتها ونستمسك بميزان الله، (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) وظهرت شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته أن يغويهم عدوهم الله المبين الشيطان الرجيم فقال : (( أيها الناس : إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ولكن قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم ، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً ، أمراً بيناً ، كتاب الله وسنة نبيه ، وإنكم تسألون عني فما أنتم قائلون)) ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فجعل صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه السبابة إلى السماء ثم إلى الناس وهو يقول : اللهم اشهد ، اللهم اشهد)) . ويطيع كثير من الناس اليوم الشيطان فيما يحقرون من أعمالهم ويقولون هذه صغائر والله غفور رحيم وينسون أن الشيطان بذلك يسلب منهم دينهم ويفوز منهم بما يريد ، وينسون أو يتناسون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على المرء حتى تهلكه)) . أو كما قال صلى الله عليه وسلم وقد ضرب صلى الله عليه وسلم مثلاً لصغائر الذنوب وأنها كالأعواد التي يجمعها القوم في الصحراء ليوقدوا ناراً فجاء هذا بعود وهذا بعود حتى أججوا ناراً وطبخوا غذائهم ، وهكذا تتجمع الذنوب الصغار حتى توقد بصاحبها ناراً يصلاها في جهنم والعياذ بالله ،ولا بد أن يزل الإنسان ويخطئ ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم : (( كل ابن آدم خطآء وخير الخطائين التوابون)) . فاتقوا الله عباد الله وتوبوا إليه توبة نصوحاً وفروا إلى الله وتوجهوا إليه كما يقف اليوم إخوانكم الحجاج في الموقف العظيم يناجون رب السموات والأرض ، وقد أطل عليهم يفاخر بهم ملائكته ، ويقول : (( أشهدكم أني قد غفرت لهم )) ورحم الله ابن القيم رحمة واسعة الذي جاشت نفسه في هذا الموقف فراح يقول : فمن ذاك الموقف الأعظم الذي كموقف يوم العرفة بل ذاك أعظم ويدنو به الجبار جل جلاله يباهي بهم أملاكه فهو أكرم يقول عبادي قد أتوني محبة وإني بهم بر أجود وأرحم وأشهدكم أني قد غفرت ذنوبهم وأعطيتهم ما أملوه وأنعم فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي يغفر الله الذنوب ويرحم وما رؤى الشيطان أحقر في الورى وأدحر منه عندها فهو ألوم وذاك لأمر قد رآه فغاظ فأقبل يحثو للتراب ويلطم وما عاينت عيناه من رحمة أتت ومغفرة من عند ذي العرش تقسم بنى ما بنى حتى إذا طن أنه تمكن من بنيانه فهو محكم أتى الله بنياناً له من أساسه فخر عليه ساقطاً ينهدم وكم قدر ما يعلو البناء وينتهي إذا كان يبنيه وذو العرش يهدم اللهم : أشركنا مع عبادك المؤمنين الواقفين في عرفات الهدى ، وانشر علينا رحمتك كما نشرتها عليهم و انظرنا بعين رضاك ، (( قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (لأعراف:23) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ،((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) (الحج:27، 28، 29،30) . اعلموا أن الله قد قضى بالخسارة والخيبة والندامة على كل إنسان وأقسم على ذلك ، إلا أن تتوفر فيه أربعة شروط هي : الإيمان والعمل الصالح المصدق للإيمان ، والدعوة إلى الحق ، والصبر على الأذى وفي سبيل هذا الحق . اسمعوا كلام رب العالمين . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (( وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )) (العصر:1-3) .

الله يعطيك العافية

الله يعطيك العافية